مما لا شك فيه أن السوق العقاري لدول الخليج العربي خصوصاً – وسوق الإستثمارات عموماً – قد أصبح محل إهتمام شديد في خلال العقد الماضي كأحد أقوى القطاعات الإقتصادية للمنطقة. حيث أن العالم يتجه آلآن بقوة نحو عصر ما بعد النفط الذي كان بمثابة العمود الفقري لإقتصاد هذه الدول لسنوات طويلة مما جعل تطوير القطاعات الغير بترولية في الوقت الحالي ضرورة إقتصادية أكثر من كونه مجرد مصدر إضافي للدخل وللناتج الإجمالي لهذه الدول. ولعل أحد أبرز الأمثلة في هذا المجال هي مملكة البحرين. فعلى عكس دول الخليج الأخرى، لا يعتمد إقتصاد مملكة البحرين بشكل أساسي على قطاع البترول حيث أن مخزونها الإحتياطي من النفط ليس كبيراً. على الرغم من هذا، فإن هناك الكثير من عوائق الإستثمار في البحرين التي تزيد من صعوبة نموها الإقتصادي.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الخبراء يؤمنون أن مملكة البحرين لديها قدرة قوية على المنافسة وسط السوق الشرس التي تتواجد فيه. فمثلاً، هناك طبيعتها الجغرافية والموقع الإستراتيجي التي تتميز به وإتصالها المباشر بالمملكة العربية السعودية والتي تعتبر أكبر دول شبه الجزيرة العربية وقوانينها الضرائبية ومناطق التملك الحر العديدة بها. لكن عوائق الإستثمار في البحرين تمنعها من أن تستغل قدرتها الإستثمارية أفضل إستغلال.
في هذا المقال، سنناقش أهم عوائق الإستثمار في البحرين بشكل عام وعوائق الإستثمار العقاري في البحرين بشكل خاص في محاولة لفهم الأسباب من وراء هذه العوائق.
البيئة الإستثمارية لمملكة البحرين – نظرة عامة:
طبقاً لتقرير أصدره البنك الدولي في نهاية العام الماضي، فإن مملكة البحرين قد حققت مرتبة متقدمة نسبياً في الكثير من المؤشرات الإستثمارية أهمها مؤشر سهولة بدء النشاط التجاري حيث حققت فيه مملكة البحرين المركز ال75 ومؤشر سهولة إستخراج تراخيص البناء (المركز ال47) ومؤشر سهولة الحصول على الكهرباء (المركز ال79) ومؤشر سهولة تسجيل الملكية (المركز ال25).
على الجانب الآخر، فإن مملكة البحرين قد سجلت مراكز تتراوح ما بين منخفضة ومتوسطة في مؤشرات أخرى وهي مؤشر الحصول على الإئتمان (المركز ال105) ومؤشر حماية المستثمرين الأقلية (المركز ال108) ومؤشر إنفاذ العقود (المركز ال111) ومؤشر تسوية حالات الإعسار (المركز ال90).
بشكل عام، وبناءاً على المؤشرات السابقة، حصلت مملكة البحرين على المركز ال66 في سهولة ممارسة أنشطة الأعمال. فيما يلي سنشرح تفاصيل أكثر عن المؤشرات المنخفضة وكيف تمثل هذه المؤشرات أهم عوائق الإستثمار في البحرين في الوقت الحالي.
عوائق الإستثمار في البحرين:
-
صعوبة الحصول على الإئتمان وعدم إتاحة المعلومات بشكل كاف:
كما ذكرنا سابقاً، فإن مملكة البحرين قد حازت على المركز ال105 في مؤشر سهولة الحصول على الإئتمان وهو يعتبر مؤشر مقلق. ويتم قياس هذا المؤشر عن طريق مجموعتين من المؤشرات الفرعية الأولى تقيس مدى سهولة الحصول على الإقتراض للمستثمرين الجدد بينما تقيس المجموعة الثانية مدى سهولة الحصول على المعلومات التي تخص الإئتمان والقروض.
بناءاً على عوامل كثيرة تتضمن محدودية المعلومات المتاحة للمقرضين وعدم إدراج جميع الشركات والأفراد في مركز البحرين للمعلومات الإئتمانية، حيث أن نسبة الشركات والأفراد البالغين في مملكة البحرين المدرجين في المركز تصل فقط إلى 27،8% وعلى الرغم من أن هذه نسبة مرتفعة مقارنة بدول أخرى كثيرة في الشرق الأوسط إلا أنها تعتبر منخفضة على المستوى العالمي.
-
محدودية درجة حماية المستثمرين الأقلية:
أما فيما يتعلق بكفاءة الإجراءات القانونية التي يتم إتباعها لضمان وحماية المستثمرين الأقلية ضد سوء إستغلال إدارة شركات المساهمة، فقد حققت مملكة البحرين المركز ال108 عالمياً.
وقد تم تحديد هذه المرتبة بناءاً على ستة مؤشرات وعوامل فرعية التي تقيس جودة إجراءات حماية المستثمرين الأقلية وهي: أ. مؤشر سهولة قيام المساهمين بالدعاوي؛ ب. مؤشر نطاق الحوكمة وحقوق المساهمين؛ ج. مؤشر نطاق مسؤلية أعضاء مجلس الإدارة؛ د. مؤشر نطاق الإفصاح؛ ه. مؤشر حقوق المساهمين؛ و. مؤشر أنظمة نطاق تضارب المصالح ويتم إعطاء الدول درجات ما بين 1 و 10 لكل مؤشر.
وقد حصلت مملكة البحرين في المؤشرات الثلاثة الأولى على 4 من 10، في حين حصلت على 5 من 10 في المؤشرين الرابع والخامس، أما في المؤشر السادس والأخير فقد حصلت مملكة البحرين على 8 من 10 ليكون درجة الجودة العامة لإجراءات حماية المساهمين في المملكة 30. وعلى الرغم من أن هذه تعتبر من أعلى درجات الجودة في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تعتبر متوسطة على المستوى العالمي.
-
نفاذ العقود التجارية:
ويقيس هذا المؤشر جودة أداء النظام القضائي وممارساته ومدى فعاليتها وكفاءتها عن طريق قياس الوقت والتكلفة المطلوبين لحل المنازعات القضائية التجارية.
حازت مملكة البحرين على المركز ال111 وهو مركز متأخر بناءاً على عدة عوامل فرعية. فعلى الرغم من أن نسبة تكلفة النزاع القضائي من قيمة النزاع الكلية تمثل أقل نسبة في دول المنطقة (14،7%)، فمتوسط الوقت الذي تستغرقه النزاعات القضائية هو 635 والذي يعد الأطول في المنطقة بينما حقق مؤشر جودة الممارسات والإجراءات القضائية 4 من 18.
-
تسوية حالات الإعسار:
بالإضافة إلى ما سبق، فهناك عامل مهم آخر يتأثر بالعوامل السابق ذكرها ويؤثر فيها وهى نواتج تسوية حالات الإعسار. بشكل أساسي، يتم تحديد هذا المؤشر عن طريق قياس وقت وتكلفة تسوية حالات الإعسار ومعدل إسترداد الدين (النسبة التي تم إستردادها في كل دولار من قيمة الملكية).
على هذا الأساس، تم إحتساب معدل إسترداد الدين في مملكة البحرين ليكون 41،9% وهو معدل أعلى من متوسط معدلات إسترداد الدين في بقية دول المنطقة (صاحبة ثاني أعلى معدل إسترداد دين هي سلطنة عمان بنسبة 38،1%) والشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يبلغ متوسط معدلاتها 25،5%.
على الجانب الآخر، فإن مملكة البحرين سجلت أقل وقت يتم إستغراقه لتسوية حالات الإعسار (سنتين ونصف) في منطقة الخليج العربي وثاني أقل نسبة تكلفة من قيمة التسوية (9،5%) وجميعها تعتبر مؤشرات قوية. إلا أن مملكة البحرين سجلت رقماً منخفضا في مؤشر صلابة إطار الإعسار الذي يقيس مدى كفاءة تشريعات الإعسار وقدرتها على تأهيل الشركات القابلة للاستمرار وتصفية تلك الغير قابلة للاستمرار حيث سجلت المملكة 7 من 16 على هذا المؤشر.
نتجه آلآن لمناقشة عوامل أخرى تؤثر سلباً بالأخص على مناخ الإستثمار العقاري في مملكة البحرين:
-
ضعف حملات الدعاية:
على الرغم من صغر مساحة مملكة البحرين، إلا أن طبيعتها كجزيرة منحتها العديد من المواقع والأراضي المتميزة والمناسبة سواء للأغراض التجارية أو السكنية. لكن لم يتم التركيز على هذا بشكل كبير من خلال حملات دعائية مكثفة تهدف لجلب إهتمام المستثمرين من باقي دول الخليج العربي والعالم كله. وقد يعود هذا لعدة أسباب أهمها المنافسة الشرسة التي تواجهها المملكة من الدول المجاورة والمدعومة بإقتصاد يعد أقوى من إقتصاد المملكة الصغير نسبياً.
-
عدم تطوير مشاريع البنية التحتية:
ويعتبر هذا العامل من أقوى معوقات الإستثمار العقاري في البحرين حيث أن مشروعات البنية التحتية في مملكة البحرين تحتاج لأن تمر بمشاريع تطويرية كبرى لمواكبة إحتياجات المستثمرين. على الجانب الآخر، فإن قدرة الدول المجاورة على دعم مشاريع البنية التحتية الخاصة بها يضيف إلى صعوبة الأمر كثيراً.
ختاماً، مملكة البحرين تمتلك قدرة كبيرة على المنافسة وعلى إحتلال الصدارة كواحدة من أفضل أماكن جذب الإستثمارات. لكن لفعل هذا، يجب التركيز على بناء هيكل قوي من القوانين والتشريعات التي تضمن حقوق المستثمرين وتساعد في التغلب على بيروقراطية الإجراءات القانونية الحالية للتغلب على عوائق الإستثمار في البحرين ودعم هذا بحملات دعائية قوية تجذب إهتمام المستثمرين إلى المملكة.