بينما توقع الكثير من متابعي السوق العقاري في البحرين أن يحدث انهيارا مروعا في القطاع العقاري بالمملكة بفعل تراجع أسعار النفط، اثبتت عقارات البحرين صلابة حقيقية إلى الحد الذي دفع الكثير من المحللين مراجعة تصوراتهم لقدرات هذا السوق.

في تقرير صدر نهاية العام الماضي من شركة كلاتونز، قالت الشركة أن القطاع السكني في البحرين أظهر مرونة كبيرة بعكس ما كان متوقعا.

مع ذلك، هذا لا يعني أن السوق العقاري في البحرين في أفضل حالاته. في حقيقة الأمر، السوق يمر بمفترق طرق خطير من شأنه أن يحدد مصيره في السنوات القادمة.

عين على الماضي

مع اتساع الرقعة العمرانية في البحرين واتخاذها هيئة أكثر حداثة، انفتحت شهية المستثمرين أكثر فأكثر حيث اخذوا في البحث عن فرص لاستغلال زخم السوق.

منذ فتح باب التملك الحر وتمكين الأجانب من الشراء على أرض البحرين في 1999، حقق السوق معدلات وأرقام نمو غير مسبوقة.

عين على الماضي

ذروة هذا النمو كانت في الفترة بين عام 2012 و2014، أو ما يعرف بالنسبة للكثير من الخبراء والمحللين بمرحلة التعافي.

بيئة الاستثمار العقاري إبان هذه الفترة كانت شديدة الإغراء، استعاد السوق العقاري الكثير من نشاطه حينها بعد ركود الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق العقارية في أسواق الخليج العربي.

المستثمرون كانوا متحمسين جدا للشراء في البحرين فمعدلات نمو الأسعار كانت آخذة في الارتفاع، كما كانت تحقق حركة البناء والتشييد حينها معدلات نمو ممتازة.

في عام 2013، ساهم قطاع البناء والتشييد في الناتج المحلي البحريني بنسبة 6.91%، بينما بلغت قيمة التداولات العقارية في المملكة بالسنة نفسها حوالي 1.2 مليار دينار للمرة الأولى في التاريخ.

حركة التطور كان تجري بنفس الزخم في 2014 إلى أن تلقى السوق ضربة انهيار أسعار النفط مع نهاية العام وهوى سعر البرميل بنسبة تتعدى ال50% مما فرض حتمية حدوث تغيرات كبرى على المشهد العقاري ككل في المملكة.

تحول خطير

هدأت وتيرة التنمية فورا وتوقفت العديد من مشاريع البناء بعد هبوط أسعار النفط. فضلت الحكومات وشركات الاستثمار إيقاف العمل لبعض الوقت بهدف تقييم الوضع الجديد للسوق ولإعادة النظر في سياساتهم الاقتصادية والمالية.

بطء حركة التنمية الاقتصادية كان له أثرا سلبيا بالطبع على معدل خلق الوظائف، معدل الصرف الحكومي على المشاريع التنموية، والتطوير العقاري.

على الأرض، فقد معدل نمو السوق العقاري الكثير من الزخم واتخذ طابعا جديدا يتسم بالبطء بسبب تراجع الطلب في الأساس.

تحول خطير

كذلك تراجع أيضا معدل نمو أسعار العقار، نتحدث هنا عن أسعار البيع والإيجار في كل القطاعات العقارية، حيث استمر المعروض في الازدياد بالرغم من تراجع الطلب.

كل هذه المعطيات شكلت واقعا جديدا على السوق العقاري في البحرين، حيث لم يعد السوق جذابا كما كان بالسابق بسبب تراجع العوائد الاستثمارية والإيجارية، مما أثر على معنويات المستثمرين.

عوامل زادت من اضطراب السوق العقاري في البحرين

مازال السوق يعاني من توابع الأزمة. الأسعار المتدنية للنفط، على الرغم من تحقيق بعض التعافي على مدار العام الماضي، تلقي بظلالها على حركة السوق.

على الرغم من ذلك، معدل النمو البطئ لا يعود فقط إلى سعر برميل النفط. هناك عدد من العوامل الأخرى والتي سنقوم بذكرها هنا بالأسفل.

  • بطء رد فعل مكونات السوق

رد الفعل على تراجع النمو لم يكن سريعا بالقدر الكافي بالنسبة لمكونات للمؤسسات والشركات العقارية. استغرق الأمر منهم الكثير من الوقت لاستيعاب الأبعاد الجديدة للسوق.

أخذ المطورون في إطلاق وتسليم مشاريع راقية جديدة، مع تجاهل التغير الحاصل في شهية المستثمرين تجاه هذا النوع من المشاريع.

بطء رد فعل مكونات السوق

ارتفع العرض، بينما ظل الطلب على العقارات الاستثمارية الفخمة لم يعد قويا كما كان في الماضي ليهبط بنسبة 20%. بدا في الأفق ظلال تخمة جديدة في السوق، مما أجبر شركات الاستثمار العقاري لاحقا على إعادة النظر في سياسات إنتاجهم.

  • صعوبة تطبيق القوانين العقارية

في محاولة لوضع إطار قانوني واضح للنشاط العقاري، قامت الحكومة البحرينية بإصدار مجموعة من القوانين المنظمة للسوق، من بينها قانون التطوير العقاري الصادر عام 2014.

الهدف الأساسي من سن القانون هو ضمان حقوق المشترين والمستثمرين العقاريين ودفع ثقة المستثمرين في السوق البحريني.

بالرغم من صدور اللوائح المنظمة للقانون، إلا أنه مازال غامضا، ولم يتم تطبيقه بعد بالشكل الكامل على أرض الواقع.

  • المشاريع المتعثرة

مشاريع التطوير العقاري المتعثرة تمثل عبئا كبيرا على القيادة الاقتصادية في البحرين، ولكن لابد من الوصول إلى سبيل لحلها لأن مجرد تواجدها بهذه الصورة يعطي صورة سيئة عن السوق.

المشاريع المتعثرة

مجرد حقيقة وجود هذه المشاريع بهذه الصورة التي هي عليها الآن يعلب دورا سلبيا كبيرا في التقليل من قيمة البحرين كمقصد استثماري، كما أنها تقلل من ثقة المستثمرين في مؤهلات البحرين كمركز لاستقطاب وإدارة الاستثمارات.

على الرغم من ذلك، أخذت حكومة البحرين خطوات جادة نحو حل مشاكل المشاريع المتوقفة. وقد تم تكوين لجنة متخصصة في عام 2015 لبحث مشاكل هذه المشاريع والوصول إلى حلول جذرية لها.

اللجنة حققت نجاحا ملحوظا في هذا الصدد حيث ينتظر بدء العمل مجددا على تشييد بعض المشاريع المتوقفة مثل مشروع فيلامار، الجفير فيوز، ومارينا ويست، وبوابة أمواج، وتعد هذه المشاريع من علامات السوق العقاري في البحرين، لذا معاودة العمل عليها سيكون له وقعا إيجابيا بكل تأكيد.

  • المستثمرون العرب

لطالما شكلت الاستثمارات الخليجية جزء كبير من القيمة الإجمالية للتداولات العقارية في سوق البحرين.

المستثمرون العرب

العام الماضي، قيمة استثمارات الخليجيين العقارية تراجعت للعام الثاني على التوالي في 2016. القيمة الإجمالية للتداولات العقارية بلغت 36 مليون دينار بالمقارنة ب72 مليون في 2015، لتتراجع بنسبة 49%.

الجدير بالذكر أن القيمة الإجمالية للتداولات العقارية التي تمت على يد المستثمرين الخليجيين وصلت إلى 108 مليون في 2014.

الهبوط الحاد، خصوصا في العام الماضي، يرجع إلى المناخ السلبي القائم على عدم الاستقرار المالي والاقتصادي في المنطقة عموما.

otal value of property transaction deals

بوضع أداء السوق خلال العام الماضي تحت الفحص، وجدنا أن قيمة تداولات الخليجيين تراجعت بشكل ربعي. الربع الأول لعام 2016 شهد استثمارات بقيمة 12.35 مليون دينار، ثم تراجعت قيمة المشتريات خلال الربع الثاني لتصل إلى 9.51 مليون دينار، 9 مليون في الربع الثالث، و5.8 مليون في الربع الرابع.

  • غياب تطوير السياحة

مع الأخذ في الاعتبار التحولات العمرانية في دبي وتركيا، أثبت القطاع السياحي أنه محرك أساسي لا غنى عنه في سبيل تطوير القطاع العقاري.

بالرغم من الأفضلية التي تتميز بها البحرين عن الكثير من الدول الأخرى لما تمتكله من مقومات سياحية، مازالت تفتقد المملكة لحركة تطويرية حقيقية في هذا المجال.

البحرين بها نقص واضح في المرافق السياحية الكبرى التي يمكن أن تجذب السياح والمستثمرين للتركيز على الاستثمار بها.

على سبيل المثال، لم تستغل البحرين الشواطئ الساحرة والجزر التي تتميز بها بالشكل الأمثل إلى الآن. ماعدا مشروع أو اثنين، لا يوجد بالبحرين منتجعات سياحية جذابة تقدم نشاطات شاطئية ترفيهية متكاملة.

واقع السوق الآن

مع خسارة السوق العقاري في البحرين لنقطة قوته الأساسية، وهي قوة العائد على الاستثمار وارتفاع الأسعار بنسب عالية، بدأ وهج السوق العقاري في الخفوت.

نسب ارتفاع أسعار العقارات، خصوصا في مناطق التملك الحر، التي كانت تصل إلى 20% و30% أصبحت شيئا من الماضي. بالكاد تحقق العقارات الآن ارتفاعا بنسبة 10 في المائة.

شركات الاستثمار العقاري أصبحت أقل اهتماما باطلاق مشاريع عقارية جديدة بسبب الوضع الضبابي بالسوق وحالته الغير ملائمة.

واقع السوق الآن

قيمة مشتريات الأفراد العقارية تأثرت أيضا. القيمة الإجمالية للاستثمارات في سوق البحرين بلغت 1.1 مليار دينار في 2016 مقارنة ب1.2 مليار في 2015.

علي العوضي، المدير التنفيذي لشركة ويتاس للتسويق العقاري، وصف حالة السوق بعد نهاية عام 2014، خصوصا من منتصف عام 2015 إلى نهاية العام بالمستقر جزئيا. وأضاف قائلا أن عدد قليل جدا من المشاريع العقارية تم إطلاقها في الفترة الماضية.

في خضم حديثه، أشار العوضي إلى سبب آخر أدى إلى تشكل الوضع الحالي في السوق وهو تجميد إصدار تصاريح الإقامة لمشتري الوحدات العقارية من العرب أو الأجانب.

الكثير من المستثمرين العقاريين الأجانب، خصوصا من أبناء الدول العربية التي تعاني من ويلات الحروب الداخلية والاضطرابات، يهدفون من شراء العقارات إلى الحصول على إقامة.

المحرك الأساسي للسوق

المحرك الأساسي للسوق

مع تفقد بيانات السوق عام 2016، شكل حجم مشتريات العرب حوالي 10% من التداولات العقارية، بينما نسبة مشتريات المواطنين البحرينيين سجلت 85%، مما يعني أن البحرينيين هم العمود الفقري وأساس السوق العقاري في المملكة.

Nasser_Ahli_ar

في تصريح خاص لويتاس، قال رئيس جمعية البحرين العقارية “ناصر الأهلي”، أن البحرينيين الآن هم المحرك الأساسي للسوق العقاري.

وبالإشارة إلى مشتريات المواطنين العقارية التي انخفضت بنسبة 12% فقط في 2016 عن العام الأسبق، مقابل مشتريات العرب التي انخفضت بنسبة 49%، قال الأهلي أنه لا يوجد أي مؤشرات إلى حدوث أي تراجع آخر في استثمارات المواطنين بالعقار. وأضاف أن اهتمام البحرينيين منصب بالذات على الفلل، الأراضي، والشقق في المناطق المغلقة.

السوق المحلي يقدم أداء جيدا خصوصا مع تقارب النسب بين العرض والطلب، بحسب ما قال الأهلي.

هذا الاتجاه شجع الوكالات العقارية وشركات التسويق للتركيز أكثر على المناطق المغلقة. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تقوم شركات الاستثمار العقاري بإطلاق مشاريع جديدة في هذه المناطق لاستغلال الإقبال عليها.

البحث عن الخيارات البديلة

التحولات الأخيرة شكلت واقعا جديدا في السوق سيجبر بلا شك مكونات السوق الأساسية على تبني أسلوب عمل مختلف وأكثر استجابة.

يجب على شركات الاستثمار أن تطبق منهج عملي تقدمي أكثر. دراسات جدوى أعمق للمشاريع والسوق ككل يجب أن تتم قبل اتخاذ أي خطوة جديدة أو إطلاق أي مشروع لتوفير حلول عقارية تمثل إضافة حقيقية للسوق.

علاوة على ذلك، يجب أن يتجه المستثمرين إلى تقديم منتجات عقارية أكثر ابتكارا مصممة لتلبية متطلبات العملاء واشباع حاجاتهم في المقام الأول.

كسر الجمود الحالي لا يقع على عاتق المستثمرين فقط. الحلول الجذرية تتطلب تعاونا أكبر بين الحكومة، المؤسسات المالية، الشركات.

في هذا السياق، قال عضو مجلس النواب في البحرين “عادل بن حميد” في تصريح لجريدة الأيام نشر الشهر الماضي، أن الحكومة تحتاج إلى إعادة النظر في قانون التطوير العقاري الجديد.

وقال أن مجتمع العقاريين في البحرين لديه العديد من الملاحظات على هذا القانون التي يجب أن يتم وضعها في الاعتبار.

وطالب بن حميد في معرض حديثه أن تقدم المؤسسات المالية البحرينية بالتعاون مع الحكومة تسهيلات وحوافز أكبر إلى المستثمرين العقاريين لتدعيم عملية نمو السوق.

التحلي بالصبر

تحقيق التعافي عملية طويلة ستسغرق الكثير من الوقت، إلا أن البحرين على الطريق الصحيح ولعل من أهم علامات ذلك هو اتجاه المملكة إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على عوائد النفط. البحرين تحاول من خلال هذه المساعي أن تشكل هيئة جديدة لاقتصادها المحلي أكثر استقرارا وأكثر تنوعا.

المطلوب هو الصبر بعض الشئ. لكن الصبر لا يعني هنا مراقبة وضع السوق عن بعد في انتظار حدوث التعافي. وعلى الجانب الآخر، المغالاة في أسعار العقارات ليس حلا أيضا، فمن الواضح أن أرباح عامي 2013 و2014 لن تعود مرة أخرى، على الأقل في الوقت الراهن.

لذا، أفضل خيار حتى الآن هو التعامل في حدود المعطيات الحالية. فالمجال مازال مفتوحا لكل من هو قادر على أن يفرض واقعا جديدا، والبقاء دوما للأقوى والأقدر على التكيف مع كافة الظروف.