يمكننا جميعًا أن نتفق على أن لا أحد يحب دفع الضرائب على الرغم من أنها تذكر وتعامل كإحدى ثوابت الحياة التي لا يمكن تغييرها. على الرغم من الدور الحيوي الذي تلعبه في بناء مجتمع حديث ومتكامل بشرط وجود نظام سياسي صحيح وغير فاسد، فأغلب الظن أن جميعنا نقوم بدفع الضرائب على مضض. ولا يعود السبب في هذا إلى الإلزام بدفع جزء من مالك أو مرتبك فقط، بل أن الكثير من الخبراء الإقتصاديين يرجحون أن الضرائب – وعلى وجه الأخص ضريبة القيمة المضافة – بإمكانها أن تؤثر بشكل سلبي على معدل التضخم وأن تتسبب في تسارعه.

وقد تم فرض ضريبة القيمة المضافة في البحرين في بداية هذا العام. لهذا، فإننا في هذا المقال نحاول دراسة مدى تأثير  ضريبة القيمة المضافة على معدل التضخم عبر مناقشة طبيعتها وخصائصها والنتائج التي تسببت بها في حالات بعض البلدان الأخرى.

ما هي ضريبة القيمة المضافة؟

بدايةً، هناك نوعين أساسيين من الضرائب الإستهلاكية وهي ضريبة المبيعات وضريبة القيمة المضافة. وكما هو واضح من إسم ضريبة المبيعات، فإنها يتم فرضها بشكل مباشر على عملية بيع المنتج أو الخدمة لمستخدمها الأخير. على الجانب الآخر، فإن ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة غير مباشرة بمعنى أنها يتم فرضها بشكل فردي على كل مرحلة من مراحل إنتاج وتوزيع المنتج أو الخدمة ويتم احتسابها بشكل تراكمي على عكس ضريبة القيمة المضافة التي يتم احتسابها مرة واحدة عند عملية البيع النهائية للمنتج أو الخدمة.

 

وقد تم تصميم ضريبة القيمة المضافة لكي تقوم بتعويض إستهلاك الخدمات العامة والبنية التحتية خلال عمليات إنتاج وتوزيع السلع والخدمات. وعلى الرغم من أن النسبة الضريبية التي يتم فرضها لضريبة القيمة المضافة تصل في العادة إلى 15%، فإن هناك العديد من الدول التي قررت أن تفرضها بنسب أقل من ذلك، نذكر منها على سبيل المثال مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التي فرضت الضريبة بنسبة 5% فقط.

 

هذا ومن الجدير بالذكر أنه من المتوقع لبقية دول الخليج العربي أن تقوم بفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة مماثلة طبقًا لإتفاق قامت دول مجلس التعاون الخليجي الست بتوقيعه في عام 2016 والذي يلزمهم بفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%.

ما هي مميزات وعيوب ضريبة القيمة المضافة؟

ضريبة القيمة المضافة، مثلها مثل أي نوع آخر من الضرائب، لها مميزاتها وعيوبها الخاصة بها التي نستعرض أبرزها فيما يلي.

 

  • المميزات:

 

1- سهولة التشريع: حيث تتميز ضريبة القيمة المضافة بأنها يسهل إدارتها أكثر من أنواع الضريبة الغير مباشرة الأخرى.

2- الحيادية: ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة تفرض على جميع أنواع الأعمال والشركات، مما يساعد على تجنب بعض الثغرات التي تعاني منها أنواع الضرائب الأخرى.

3- عائدات أكبر: يؤدي فرض ضريبة القيمة المضافة إلى جمع إيرادات ضريبية أكثر.

 

  • العيوب:

 

1- الطبيعة الإرتدادية: هذا لأن ضريبة القيمة المضافة بطبيعتها تتسبب في زيادة واضحة في أسعار السلع والخدمات. وتعود هذه الزيادة بتأثير سلبي على الطبقات الأفقر من المجتمع وعلى قوتهم الشرائية حيث أنهم بطبيعة الحال ينفقون نسبة أكبر من دخولهم على شراء السلع والخدمات أكثر من الطبقات الأغنى.

2- التكلفة الباهظة للتطبيق: تستخدم ضريبة القيمة المضافة نظام فوترة كامل مما يعني أن الأمر يتطلب توثيق جميع عمليات البيع والشراء التي حدثت أثناء إنتاج وتوزيع السلع أو الخدمات.

3- عبء إداري على الشركات: حيث أن سعر السلعة أو الخدمة التي تقوم الشركة بتوفيرها يتغير في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع، مما يعني أن الضريبة يتم احتسابها كذلك في كل مرحلة بشكل تراكمي.

 

العلاقة بين ضريبة القيمة المضافة والتضخم:

تعريف التضخم هو معدل زيادة أسعار السلع والخدمات وما تتسبب فيه بطبيعة الحال في ضعف القوة الشرائية لعملة معينة. وكما ذكرنا من قبل، فإن ضريبة القيمة المضافة بطبيعة الحال سوف تتسبب في حدوث قفزة في أسعار السلع والخدمات مما قد يؤدي بالتالي إلى زيادة معدل التضخم.

لكن على الرغم من أن تأثيرًا كهذا من شأنه بكل تأكيد أن يؤثر على معدل التضخم في أي دولة، إلا أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين أكدوا أن ضريبة القيمة المضافة وحدها لا يمكنها أن تغير من نسب معدل التضخم بشكل جذري. ويعود هذا لعدد من الأسباب أولها أن ضريبة القيمة المضافة ليست هي العامل الوحيد الذي قد يتسبب في تغير أسعار السلع والخدمات وثانيها أن ضريبة القيمة المضافة يتم فرضها في المعتاد مع حزمة من الإجراءات والسياسات والاستثناءات التي من شأنها أن تحد من الآثار السلبية للضريبة على القوة الشرائية للطبقات الفقيرة من المجتمع مثل فرض الضريبة الصفرية على السلع والخدمات الأساسية وإعفاء بعض الخدمات الحيوية منها.

 

إلى جانب هذا، فإن تأثير فرض أو زيادة ضريبة القيمة المضافة يختلف على حسب ردود أفعال الشركات التي تخضع سلعها وخدماتها لضريبة القيمة المضافة، حيث أن هذه الشركات لديها أحد الاختيارات الآتية:

 

أ- أن تقوم بتمرير تكلفة الضريبة المضافة بشكل كامل إلى أسعار السلع والخدمات والذي سوف يتسبب في زيادة كبيرة بها.

ب- أن تقوم بتمرير تكلفة الضريبة المضافة بشكل جزئي إلى أسعار السلع الخدمات، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحد من تأثير ضريبة القيمة المضافة على هذه الأسعار وعلى معدل التضخم.

ج- أن تزيد من أسعار السلع والخدمات إلى مستويات أعلى من تلك المتوقع الوصول إليها بعد فرض ضريبة القيمة المضافة والتي سوف تتسبب في حدوث تأثير مضاعف على معدلات التضخم.

دراسة حالة 1 – جنوب إفريقيا:

في الأول من أبريل من عام 2018، أعلنت حكومة جنوب إفريقيا فرض زيادات على ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1% لترتفع من 14% إلى 15%. وقد فرضت الحكومة الجنوب إفريقية الضريبة بنسبة صفرية على عدد من السلع والخدمات الحيوية والضرورية منها الخبز والزيوت والسكر وغيرها.

 

هذا ومن الجدير بالذكر أن البنك الإحتياطي لجنوب إفريقيا قام بتنفيذ إستراتيجية هدفها التحكم في معدل التضخم السنوي لكي يظل متراوحًا ما بين نسبة 3% و6% عن طريق زيادة معدلات الفائدة البنكية إذا تجاوز معدل التضخم حاجز ال6% لكي يحد من معدل التضخم.

 

وقد تم تنفيذ تلك الإستراتيجية عقب الثمانينات من القرن الماضي حيث أن معدل التضخم في جنوب إفريقيا قد خرج عن السيطرة وإرتفع بشكل كبير وصل إلى حوالي 20% في عام 1986. وقد نجحت جنوب إفريقيا منذ ذلك في تحقيق هدفها في السيطرة على معدلات التضخم.

 

ما هو تأثير ضريبة القيمة المضافة على معدل التضخم في جنوب إفريقيا في عام واحد؟

أظهر عدد من الدراسات أن هناك عوامل أخرى مهمة شاركت في تشكيل الوضع الإقتصادي الحالي في جنوب إفريقيا، على رأسها تعافي جنوب إفريقيا مؤخرًا من حالة الجفاف الحاد التي أصابتها في خلال السنوات الأخيرة والتي وصلت إلى ذروتها في عام 2015 حيث كان هذا العام أكثر الأعوام جفافًا على جنوب إفريقيا منذ عام 1904.

 

وقد كان لهذا أثر سلبي  واضح على الإنتاج الزراعي في جنوب إفريقيا في هذه الفترة، وبرز هذا بشكل واضح في إنتاج محصول الذرة الذي تضاءل بنسبة 45% في العام 2015\2016 مقارنة بإنتاج عام 2013\2014. لكن الجدير بالذكر أنه بدايةً من عام 2017 بدأ الإنتاج الزراعي في جنوب إفريقيا في التعافي من آثار هذه الحالة والعودة إلى معدلاته الطبيعية مما ساعد في تقليل سرعة معدل التضخم.

 

لهذا، وعلى عكس بعض التوقعات المبدئية الخاصة بهذا الشأن وعلى الرغم من الإرتفاع الذي حدث في أسعار الخضروات واللحوم ومنتجات الألبان، فإن معدل التضخم قد إنكمش  منذ شهر أبريل من عام 2018 حيث تم تطبيق الزيادة المشار إليها في شريبة القيمة المضافة، بل أن شهر يونيو من نفس العام شهد هبوطًا في أسعار الخبز والسكر والزيوت بنسبة 3.1% وفي أسعار الفاكهة بنسبة 3.2% مقارنةً بشهر يونيو من عام 2017.

 

وفي شهر ديسمبر من عام 2018، انخفض معدل التضخم في جنوب إفريقيا لحوالي 4.5%، وقد تم إرجاع هذا التضاؤل إلى انخفاض أسعار النفط الذي حدث في شهر ديسمبر من عام 2018. وبناءً على هذا الإنخفاض، قام البنك الإحتياطي الجنوب إفريقي بتغيير توقعاته بأن يصل معدل التضخم في عام 2019 إلى 4.8% بدلًا من 5.5%.

 

دراسة حالة 2 – المملكة العربية السعودية:

في الأول من يناير من عام 2018، فرضت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل رسمي ضريبة القيمة المضافة لأول مرة في تاريخهما بنسبة 5%، وقد شملت الضريبة معظم السلع والخدمات مع بعض الاستثناءات مثل الخدمات العامة والإيجارات السكنية.

 

الآن، وبعدما مر ما يقارب العام ونصف العام على هذا القرار، أظهر أكثر من تقرير أن تأثير ضريبة القيمة المضافة على معدل التضخم في المملكة العربية السعودية كان محدودًا. وقد نجحت الحكومة السعودية في جمع ما يعادل 12.2 مليار دولار حصيلة فرض ضريبة القيمة المضافة والتي ساهمت في الناتج الإجمالي المحلي للمملكة في عام 2019 بنسبة 1.6% وتعد أكثر من مجموع حصيلة ضريبة المغتربين وضريبة الإنتاج.

 

على الجانب الآخر، شهد العام الماضي أعلى عائدات لصادرات المواد البترولية، والتي تعد العمود الفقري للاقتصاد السعودي، في خلال الخمس سنوات الماضية بعدما ارتفعت أسعار المواد البترولية بسبب فرض ضريبة القيمة المضافة من ناحية وزيادة الإنفاق الحكومي من ناحية أخرى حتى مع الهبوط الذي حدث في أسعار البترول في الربع الأخير من عام 2018.

 

ومن المتوقع أن يزداد الإنفاق الحكومي للمملكة العربية السعودية بنسبة تصل إلى 20% في 2019 للمساعدة في الحد من التأثير السلبي الناتج عن إنخفاض أسعار النفط.

 

ضريبة القيمة المضافة في البحرين:

قامت مملكة البحرين بتطبيق ضريبة القيمة المضافة بشكل فعال في أول أيام عام 2019 لتصبح ثالث دول مجلس التعاون الخليجي التي تقوم بذلك.

 

وقد تم فرض ضريبة القيمة المضافة في مملكة البحرين بنفس النسبة التي تم فرضها بها في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة طبقًا للإتفاق الذي وقعته دول مجلس التعاون الخليجي بهذا الشأن، لكن من المتوقع أن يكون لهذا التطبيق تأثير مختلف في المملكة لقيامها بإعفاء وفرض الضريبة الصفرية على قائمة مختلفة من السلع والخدمات منها بيع وتأجير العقارات داخل مملكة البحرين.

 

ختامًا، فعلى الرغم من أننا لا يمكننا أن نجزم بطبيعة ومدى تأثير ضريبة القيمة المضافة على معدل التضخم في مملكة البحرين وبيئتها الإستثمارية، فإن دراسة حالات الدول التي طبقت الضريبة في الماضي تؤكد لنا أن هذا التأثير، على الرغم من حتميته، يمكن الحد منه بشكل كبير عن طريق إتخاذ العديد من الإجراءات المضادة والوقائية لحماية الطبقات الأفقر من إرتفاع الأسعار الذي سوف تتسبب فيه ضريبة القيمة المضافة.