السعودة: النسخة السعودية من إتجاه إقليمي

لطالما كان المغتربون هم المكون الأساسي في سوق العمل في منطقة الخليج العربي بأكملها. لكن بدأ هذا الأمر في التغير بشكل تدريجي مؤخراً حيث بدأت جميع دول الخليج في السعي والعمل نحو توطين وظائفها بشكل شبه كامل. ولعل أبرز صور هذا الإتجاه يتمثل في المملكة العربية السعودية أكبر دول المنطقة فيما يعرف بإسم السعودة أو نظام نطاقات.

أسباب وراء المناداة بتوطين الوظائف

أسباب وراء المناداة بتوطين الوظائف

يمثل الشباب القادر على العمل ما يقارب ثلثي سكان المملكة العربية السعودية (65%). ومع ذلك، كما ذكرنا مسبقاً، فإن مواطني السعودية يمثلون الجزء الأصغر من القوة العاملة بها ولم يتعد عددهم نسبة ال50% ممن يعملون على أرض المملكة.

وعلى عكس ما قد يعتقده الكثيرون، فإن المناداة بالسعودة ليست حديثة العهد. فبينما كانت أزمة أسعار البترول عاملاً أساسياً في إتجاه الحكومة السعودية بقوة نحوها وزيادة شعبيتها، فإن المناداة بتوطين الوظائف في المملكة تعود إلى ثمانينات القرن الماضي وكان الهدف الأساسي منها هو تقليل معدل بطالة مواطني السعودية لكن ظلت أهدافها الرقمية محل مناقشات ومفاوضات كثيرة حتى صدر القرار بتطبيقها رسمياً في عام 2011.

وتهدف الحكومة السعودية، عبر برنامج نطاقات، إلى خلق ما يقرب من 450،000 فرصة عمل لمواطني السعودية بحلول عام 2020.

السعودة وأزمة أسعار النفط:

السعودة وأزمة أسعار النفط:

تعد الصناعات البترولية العمود الفقري وحجر الأساس لإقتصاد المملكة العربية السعودية وأهم أسباب جذبها للإستثمارات الأجنبية. نتيجة لذلك، فإن الهبوط الحاد الذي عانت منه أسعار النفط الخام بدءً من عام 2014 جعل من تحقيق أهداف نظام نطاقات أمراً أكثر صعوبة وذو أهمية أكبر في نفس الوقت.

من ناحية، فإن إهتمام المستثمرين الأجانب والإقليميين بالسوق السعودي قد تقلص بشكل كبير في خلال هذه الأزمة؛ ومن الناحية الأخرى، فإن الأزمة قد بدأت سلسلة من التأثيرات المتتابعة عندما أثر إنخفاض أسعار النفط سلباً على إيرادات الحكومة السعودية. وقد أدى هذا الأمر بدوره إلى إجبار الحكومة على تخفيض إنفاقها وبرامج الدعم التي تقدمها لمواطنيها إلى جانب فرض ضرائب للمرة الأولى في تاريخها.

نتيجة لذلك، فإن القوة الشرائية الخاصة بمواطني السعودية تم إضعافها بدرجة كبيرة، وضاعف من هذا التأثير معدل البطالة العالي للشباب السعودي. وكان الطبيعي بعد ذلك أن يمتد أثر الصدمة إلى الصناعات والقطاعات الأخرى المهمة في الإقتصاد السعودي مما أدى إلى تصاعد النداء بتطبيق السعودة وتوطين الوظائف السعودية.

وبينما لا يوجد شك في قدرة برنامج أو نظام مثل هذا في تنمية وتحسين الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في السعودية، فإن كثير من الخبراء قد أعربوا عن قلقهم بشأن الآثار الجانبية المحتملة لنظام نطاقات على المدى القصير على الأقل.

نطاقات وتأثير السعودة على السوق العقاري السعودي:

نطاقات وتأثير السعودة على السوق العقاري السعودي:

لا يمكننا الحديث عن حالة الإضطراب التي أصابت سوق العقارات في السعودية – ثاني أكبر قطاعات المملكة الإقتصادية بعد النفط والصناعات البترولية – في السنوات الأخيرة بدون أن نتطرق إلى العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في القوتين الأساستين في السوق وهما العرض والطلب.

فبينما كان ضعف قوة مواطني السعودية الشرائية سبب رئيسي في التأُثير على السوق العقاري، لم يكن هو العامل الوحيد لأزمة العقارات السعودية فهناك أيضاً عوامل اثرت بشكل كبير على مستوى العرض في السوق.

للتوضيح، فإننا لا نقول أن الكمية المعروضة من العقارات في السوق بشكل عام كانت غير كافية لسد إحتياجات العملاء، لكن مستوى المعروض من الفلل والوحدات السكنية الفاخرة كان أعلى بكثير من مستوى الطلب عليها في حين أنه كانت هناك كمية معروضة غير كافية من الوحدات التي تناسب ذوي الدخل المحدود والمتوسط لسد إحتياجات هذا القطاع من العملاء.

لمعرفة المزيد، يمكنك عبر الرابط التالي قراءة تحليلنا لحالة السوق العقاري السعودي في عام 2018.

على الرغم من هذا، لا يجب أن نغفل عامل آخر مهم وحيوي للغاية كان له أثر على مستوى الطلب على العقارات السعودية يضاهي تأثير مواطني المملكة، وهو المغتربين الذين كانت تستهدفهم سياسة السعودة بشكل مباشر بطبيعة الحال.

في النقاط التالية، نناقش كيف تساهم الأوضاع المتغيرة للمغتربين في السعودية في حالة السوق العقاري الخاص بها:

  • القطاع السكني:

القطاع السكني:

يعد القطاع السكني هو أكثر قطاعات سوق العقار تأثراً بالإتجاه نحو سعودة الوظائف بشكل مباشر وواضح، خاصة في أسعار إيجارات الوحدات السكنية. ومن المتوقع أن يقل عدد المغتربين، الذين يعدون المحرك الأساسي لإيجارات العقارات في المملكة، بنحو 40% بحلول عام 2020.

ومن الجدير بالذكر أنه فقط في خلال الربع الأول من عام 2018، طبقاً للهيئة العامة للإحصاء في السعودية، غادر أكثر 234،000 مغترب المملكة العربية السعودية في حين أنه في خلال عام 2017 بأكمله غادر ما يقارب 466،000 مغترب المملكة. هذا لا يظهر فقط أن المغتربون يغادرون المملكة في أعداد كبيرة بل أيضاً في معدلات تتزايد مع الوقت.

لكي نفهم تأثير المغتربين في السوق بشكل أفضل، فينبغي أن نذكر أنهم مع نهاية عام 2017 كانوا يشغلون ما يقرب من 1،7 مليون وحدة سكنية ومن المتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى حاولي 1،05 مليون وحدة بحلول عام 2020 حسب تقرير أصدرته شركة بصمة بهذا الشأن – وهي أحد أكبر شركات التطوير العقاري في السعودية – مما سيؤدي لإنخفاض أسعار العقارات بنسبة تتراوح ما بين 15% إلى 20%.

بالإضافة إلى ذلك، فهناك عامل آخر يشكل ضغطاً كبيراً على المغتربين العاملين في المملكة العربية السعودية وهي رسوم المرافق التي تم فرضها في عام 2017، والتي تلزم المغتربين بدفع رسوم إضافية عن كل مرافق غير عامل لديهم يعيش على أرض المملكة، وبلغت تلك الرسوم 100 ريال سعودي شهرياً عن كل مرافق.

بدءً من 1 يوليو 2018، تضاعفت قيمة تلك الرسوم لتصبح 200 ريال سعودي سهرياً عن كل مرافق. ومن المخطط أن تزداد الرسوم مرتين مجدداً في عام 2019 وعام 2020 بقيمة 100 ريال سعودي في كل مرة لتصل في يوليو 2020 إلى 400 ريال سعودي شهرياً. وتهدف الحكومة السعودية عبر فرض هذه الرسوم إلى زيادة إيراداتها بقيمة 65 مليار ريال سعودي بنهاية عام 2020.

ومن الطبيعي أن تدفع هذه الرسوم الكثير من المغتربين إلى إعادة ذويهم ومرافقيهم إلى بلادهم وبالتالي سيؤدي إلى خروج المزيد من المستهلكين ورأس المال من المملكة السعودية ننا سوف يؤثر سلباً على مستوى الطلب على السوق العقاري خاصة الوحدات ذات المساحة الكبيرة التي تناسب العائلات.

  • قطاع المكاتب والوحدات الإدارية:

قطاع المكاتب والوحدات الإدارية:

قد لا يوجد تأثير واضح ومباشر للسعودة على قطاع الوحدات الإدارية، لكن هذا لا يعني أن تطبيق نظام نطاقات والسياسات المصاحبة له قد أثرت بشكل كبير على شركات القطاع الخاص السعودي من خلال العديد من القيود التي تم فرضها على هذه الكيانات.

وقد ألزمت قوانين نظام نطاقات شركات القطاع الخاص السعودي في مختلف القطاعات والصناعات بتحديد نسبة المغتربين من العاملين لديها وتعيين مواطني السعودية مكانهم، ودعمت هذه القوانين بعدد من الرسوم والجزاءات التي ينبغي على الشركة دفعها في حالة عدم تحقيقهم لنسب توطين الوظائف المطلوبة.

حسب دراسة تم إجرائها حديثاً، تم تسجيل خروج أكثر من 7،000 شركة من السوق السعودي في خلال عام 2017 وكانت معظم هذه الكيانات من الشركات صغيرة الحجم. على الجانب الآخر، فإن حجم الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة قد إزداد بشكل طفيف.

قد لا يبدو عدد الشركات التي أوقفت نشاطها كبيراً بالمقارنة بحجم الشركات العاملة في السعودية الإجمالي والذي يتجاوز 450،000 كيان إقتصادي، ولكنه يوضح كيف أن اللشركات الصغيرة هي أكثر الشركات تأثراً بالقوانين الجديدة. وقد أثار هذا العديد من المخاوف بخصوص تأثر الإستثمارات الأجنبية في المملكة بهذه القوانين وقد عانت الإستثمارات بشكل كبير في الآونة الأخيرة مع حدوث أزمة أسعار النفط وبدأت بالكاد في التعافي من آثار هذه الأزمة.

                                                                                   3- قطاع التجزئة:

                                                                                   3- قطاع التجزئة:

حاز قطاع التجزئة على جزء كبير من إهتمام سياسات السعودة ونظام نطاقات. وفي شهر مايو من عام 2018، صرح السيد محمود معز، رئيس قسم تطوير القطاع في هيئة الشركات الصغيرة والمتوسطة السعودية أنه سوف يتم توطين حوالي 490،000 وظيفة جديدة في قطاع العقارات عبر 12 قطاع تجاري مع بداية العام الهجري الجديد.

وأوضح معز أن الهدف من وراء هذا هو زيادة نسبة سعودة قطاع التجزئة من 24% إلى 50% بحلول عام 2020. وأضاف أنه من المتوقع أن تخرج 30% من محلات التجزئة من النشاط التجاري في خلال هذه الفترة. ومن الجدير بالذكر أن ما يقرب من 70% من محلات التجزئة الموجودة داخل المملكة تعد من الكيانات ذات الحجم الصغير.

وتهدف هذه السياسة إلى تشجيع الشباب السعودي على بدء أعمالهم وشركاتهم الخاصة مما سوف يساعد على خلق المزيد من الوظائف للسعوديين وتقليل أثر الفجوة التي ستتركها تلك الشركات عندما تنهي نشاطها.

نطاقات بين النظرية والتطبيق العملي:

نطاقات بين النظرية والتطبيق العملي:

كما هو الأمر مع كل النظريات، فإن نتاج تطبيق نظام نطاقات على أرض كان مختلفاً عن المخطط له، ولكن المقلق أن هذا الإختلاف كان أكبر مما قد نستطيع أن نعده نجاحاً لنظام نطاقات.

لنقم بمراجعة الأهداف الأساسية لحركة السعودة بشكل أساسي وهي تقليل نسبة بطالة الشباب السعودي وزيادة الإيرادات االحكومية عبر الرسوم المفروضة على شركات القطاع الخاص إلى جانب رسوم المرافق التي تم فرضها على المغتربين أنفسهم.

لنناقش ما حققه برنامج نطاقات من كل هذف:

  • معدل بطالة السعوديين:

معدل بطالة السعوديين:

على عكس المتوقع تماماً، فإن معدل بطالة مواطني السعودية لم يقل على أثر تفعيل سياسات السعودة، بل أنه إزداد من 12،8% في الربع الأخير من عام 2017 إلى 12،9% في الربع الأول من عام 2018.

وتوضح هذه الزيادة أن الفجوة التي يتركها المغتربون وراءهم عند مغادرة سوق العمل السعودي تزداد بمعدل أكبر من إستيعاب مواطني السعودية على ملأها في الوقت الحالي. ففي خلال العامين السابقين، غادر أكثر من 800،000 مغترب المملكة العربية السعودية وتقلص عدد المغتربين على أثر هذا من أكثر من 8،5 مليون مغترب في الربع الأول من عام 2016 إلى 7،71 مليون مغترب في الربع الأول من عام 2018، لكن هذا أنتج فقط نحو 43،000 فرصة عمل جديدة للشباب السعودي (ما يعادل 5% تقريباً من عدد المغتربين الذين غادروا المملكة).

  • تعامل شركات القطاع الخاص مع السياسات:

تعامل شركات القطاع الخاص مع السياسات:

مع تطبيق برنامج نطاقات على شركات القطاع الخاص السعودي، تصاعدت مخاوف كثيرة بأن البرنامج قد يكون مهتماً بالكم أكثر من الكيف. حيث أن بعض الشركات قامت بإتباع بعض الطرق الضارة بأهداف البرنامج لكي تحقق المطلوب منها على الورق فقط مثل تعيين المواطنين السعوديين في وظائف وهمية بمرتبات زهيدة للغاية فيما يعرف بإسم السعودة الزائفة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الشركات قررت زيادة أسعار منتجاتها وخدماتها لكي تغطي التكاليف الإضافية المطلوبة منها والزيادة التي شهدتها تكلفة تعيين المغتربين في الآونة الأخيرة مما من شأنه أن يؤثر على قوة السعوديين الشرائية التي تم إضعافها بالفعل.

  • رسوم المرافقين:

رسوم المرافقين:

مما لا شك فيه أن هذه الرسوم سوف تساعد على زيادة الإيرادات الحكومية في السعودية بشكل كبير. ومع ذلك، فإن بعض الخبراء الإقتصاديين السعوديين قد أعربوا عن قلقهم أن هذه التكاليف سوف تدفع الكثير من المغتربين إلى إرسال ذويهم ومرافقيهم إلى بلادهم مجدداً مما من شأنه أن يقلص إنفاق المغتربين في السوق السعودي وخروج رأس المال من المملكة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تزيد هذه الرسوم من تكلفة تعيين المغتربين، لكن نتائجها المباشرة هي تقليل المغتربين غير العاملين في السعودية ولن يكون لهذا أي تأثير على سوق العمل السعودي.

السعودة ورؤية السعودية 2030:

السعودة ورؤية السعودية 2030:

يأتي برنامج نطاقات كجزء حيوي ومهم للغاية من رؤية السعودية 2030، وهي خطة طويلة المدى تهدف إلى تطوير القطاعات الإقتصادية الغير بترولية في المملكة. ويتم الآن إحداث العديد من التغييرات الجذرية الإقتصادية والإجتماعية في المملكة لتحقيق هذه الرؤية.

وتعد أغلب أهداف هذه الرؤية من الأهداف طويلة المدى التي سوف تتحقق مع إكتمال عدة مشاريع كبرى مثل مشروع مدينة نيوم العابرة للحدود ومشروع مدينة القدية. وينطبق هذا على السعودة وأهداف برنامج نطاقات أيضاً، لكن لكي تتحقق هذه الأهداف، يجب على الحكومة السعودية أن تتأكد من فعالية وكفاءة تطبيقها لهذه السياسات.

فمن ناحية، تحتاج الحكومة السعودية إلى أن تسن قوانين تحد من السعودة الزائفة. ومن ناحية أخرى، عليها أن تعمل على تطوير مهارات وقدرات الشباب السعودي وتحسين أنظمة تعليمهم لخلق كوادر قادرة على ملء الفراغات التي سوف يتركها المغتربون.

بالإضافة إلى هذا، فإن العديد من الخبراء يحثون الحكومة السعودية على دراسة إمكانية إعفاء بعض القطاعات والصناعات من الرسوم المفروضة على المدى القصير على الأقل حيث أن هذه الصناعات تعد ذات أهمية كبرى في مساعدة الإقتصاد السعودي على تجاوز الأزمة الإقتصادية وتحقيق أهداف رؤية 2030.

ختاماً، فإنه إذا تم تطبيق نظام نطاقات بشكل خاطئ فقد يؤدي هذا إلى نتائج وآثار عكسية على كافة قطاعات الإقتصاد السعودي، ومنها السوق العقاري السعودي بالطبع بسبب أهمية المغتربين الكبرى بالنسبة له وتأثيرهم المباشر عليه. فإذا لم يتم تصحيح تطبيقات سياسات السعودة فقد يؤدي هذا إلى الإضرار بالسوق العقاري وبالإقتصاد السعودي بشكل عام.

لمعرفة المزيد عن السوق السعودي انظر أيضًا:

مراجعة وتحليل لأداء السوق العقاري السعودي خلال عام 2018

تحميل التعليقات