الشيخ عبدالعزيز الموسى، ابن قرية البير الذي أصبح شيخا للأراضي بالسعودية

من قلب البيئة الصعبة والظروف الغير مواتية، يبرز دوما الرجال الأشداء الذين تتشكل ملامح شخصياتهم القوية بفعل المواقف والتحديات التي يمرون بها.

كان هذا هو الحال مع شيخ الأراضي الشيخ عبدالعزيز الموسى الذي ولد ونشأ بقرية البير التابعة لمحافظة ثادق في ظل ظروف معيشية صعبة وندرة في الموارد والإمكانيات.

سنستعرض هنا في هذا المقال بعض القبسات من حياة الشيخ منها بدايته وكيف تحول إلى أكبر مالك للعقارات في الرياض. كما سنذكر بعضا من المواقف التي تجلت فيها حكمته في إدارة الأملاك وخلاصة خبرته في التسويق العقاري.

البداية الصعبة

ولد في عام 1350 هجريا بالقرية التي تبعد بحوالي 130 كم عن الرياض. وكغيره من أبناء بلدته، تعلم عبدالعزيز الموسى القراءة والكتابة والحساب بكتاب القرية، ثم بدأ العمل مبكرا.

قبل أن يتم عامه العاشر، كان قد بدأ العمل في الزراعة والفلاحة، ثم توجه بصحبة أخيه سعد للعمل بالبناء في الرياض وهو في سن الثالثة عشر.

“نصف ريال” كانت أجرة الشيخ أثناء عمله في بناء البيوت الطينية بأحياء الرياض. لم يكن يعرف للنجاح طريقا إلا الجد والاجتهاد، لذلك اجتهد وصبر، وهو مازال في مقتبل عمره، على ما لا يطيقه حتى الرجال الأشداء.

ازدادت خبرة الولد شيئا فشيئا وتنقل في مراحل العمل حتى غدا “أستاذا” في مجال البناء. منصب كبير أيامها يعد حلما لكل زملائه من أبناء المهنة ولكنه، وبالرغم من صغر سنه، لم يستشعر حلاوة الإنجاز بعد حيث كان على يقين أن “الأستاذية” ليست نهاية الطريق، بل مجرد بدايته.

مرحلة التحول

أمانة الشيخ اكسبته رأس مالا أهم من أي ريالات ودراهم، إنها ثقة الناس وسمعة طيبة نبتت في مدينة الرياض ثم نمت لتشمل كل ربوع المملكة.

عرف عن الشيخ التزامه في القول والعمل، لذلك شاركه بعض الناس بأموالهم ليبدأ أول مشروع خاص به، وهي مساهمة عقارية صغيرة في أحد أحياء العاصمة السعودية.

حقق المشروع نجاحا، وكان بمثابة الخطوة الأولى التي فتحت الباب للمزيد من المساهمات العقارية الأخرى التي شكلت سلسلة طويلة من النجاحات، كان العامل الأبرز في حدوثها هو نزاهة الشيخ عبدالعزيز الموسى وحبه لتحقيق الخير لغيره قبل نفسه.

تغيرات أزمة عقار “ما بعد الطفرة الأولى”

الأزمة العقارية التي تعرف بأزمة “ما بعد الطفرة” كانت سببا في نمو ثروة الشيخ. تشكلت بوادر الأزمة في الفترة الزمنية بين 1973 و1981 التي شهدت طفرة اقتصادية بفعل ارتفاع أسعار النفط.

تسببت هذه الطفرة في ارتفاع حجم الإنفاق الحكومي وزيادة السيولة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 30% وزيادة أسعار العقارات بشكل لافت لتتخطى للمرة الأولى في بعض المدن الكبرى حاجز الألف ريال للمتر المربع الواحد .

تراجع أسعارالنفط في منتصف عام 1981 دفع المملكة إلى تخفيض إنتاجهها من النفط، لكن هذا لم ينعكس على سعر البرميل الذى استمر في الهبوط.

هذه التطورات انعكست على سوق العقار بشكل كبير ليسجل حينها انخفاضا بنسبة 50% في سعر الإيجار، و80% في سعر البيع.

في خضم هذا الانهيار الكبير، سعت الحكومة السعودية إلى حل الموقف من خلال تشكيل لجنة لتعويض خسائر ملاك العقار وشراء أراضيهم بأسعار كانت مغرية جدا في ذلك الوقت.

على عكس معظم العقاريين وقتها، لم يقدم الشيخ عبدالعزيز الموسى على بيع عقاراته، بل فضل الإبقاء عليها والانتظار حتى يعاود السوق نشاطه المعهود، وفعلا آتى الصبر أكله بعد سنوات وجنى الشيخ أرباحا كبيرة، لتحقق الحكمة التي طالما آمن بها وهي أن العقار يمرض ولكن لا يموت.

أسلوبه في التسويق

حين سأل عن أسلوبه الخاص في التسويق العقاري قال أنه يعتمد في الأساس على منح الأرض قيمتها الأصلية دون طمع مع ترك مجال لربح غيره، فخير الناس من نفع واستنفع.

وأضاف أن الالتزام يعد أيضا عنصرا أساسيا. الالتزام في كل شئ، سواء في الكلمة، في البيع، في قبول الرد والغاء العقود. فالبيع عنده ليس بحثا عن المادة فقط، لكن عن تحقيق الخير للغير ونشر الأخلاق والتعاملات الحسنة.

المستقبل في البناء متعدد الطوابق

الواقع العقاري الآن يشهد تحولات كبيرة بفعل الزيادة السكانية ونمو الطلب على الوحدات السكانية بالأخص، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ولقد كان للشيخ رؤية خاصة للتقليل من وطأة هذه الأزمة تتلخص في التركيز على إطلاق مشاريع المباني متعددة الطوابق.

وقد رأى أن تركيز العقاريين على تطبيق ذلك الحل سيساهم في استقرار السوق وسيرجع بالفائدة على المشترين، المستأجرين، وعلى العقاريين أنفسهم.

الجانب الخفي في حياته

هناك جانبا خفيا في حياة الشيخ طالما سعى لابقائه في طي الكتمان والتستر، حتى إذا ذهب لمقابلة صحفية أو تلفزيونية، طلب من محاوره عدم التطرق لهذا الموضوع بالتحديد، إنه أعماله الخيرية.

اهتم طول حياته بتأمين الوحدات السكينة للفقراء ولديه علامات وإنجازات بارزة بالفعل في هذا الصدد منها المساهمة في بناء 300 وحدة سكنية مخصصة للمحتاجين في مدينة أبها، مساهمته في مشروع الملك سلمان للإسكان الخيري، ومشاريع أخرى عديدة.

طالما كان الشيخ عبدالعزيز الموسى قدوة لغيره من العقاريين في مجال الأعمال الخيرية، فكان سباقا بها، ودعى كثيرا أصحاب العقار ورجال الأعمال إلى تسهيل عمليات شراء الوحدات السكنية خصوصا للشباب وأصحاب الدخل المحدود لتعزيز قيمة التكافل بالمجتمع.

ماذا قالوا عنه؟

عاصر الكثير من الأعلام والمبدعين سيرة حياة الرجل وشهدوا على ما قدمه من آثار طيبة وإنجازات مازال وقعها باقيا إلى يومنا هذا.

قال عنه خادم الرحمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله “لو كان عندي رجال من أمثال الشيخ عبدالعزيز الموسى، ما كنت في حاجة إلى المحاكم مطلقا”.

كما قال عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ” على امتداد بقائي أميرا على منطقة الرياض، لم تبلغني أي شكوى ضد الشيخ الموسى، مع أن الأمور العقارية كثيرا ما تكون محل اختلاف”.

أما الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز فقد قال عنه أنه صاحب سيرة عطرة ومشهود له بالخير والصلاح. كما قال أن أمثال الشيخ عبدالعزيز هم نعمة من الله حبى بهم هذا الوطن ليعملوا في الخير ويلمسوا احتياجات الناس.

وفاته

توفي الشيخ عبدالعزيز الموسى في الثاني عشر من ربيع الأول عام 1434 ليترك إرثا لا ينحصر فقط في عقارات وأبناء تحمل راية الريادة بالمجال العقاري، ولكن سيرة طيبة تحمل في طياتها تعاليم عظيمة لأجيال وأجيال قادمة تبرز قيمة العمل، قيمة حب الغير، وقيمة التعامل بإحسان في كل مسائل الحياة.

المتتبع لآثار الموسى سيخلص منها إلى عبر تبقيه دوما على الدرب الصحيح. فمن أراد بركة الله تعالى في المال والرزق، فليبدأ بمد العون لغيره وتحسس احتياجات المحتاجين. هكذا تعلمنا سيرة الشيخ، كذلك سير غيره من المحسنين في جميع أنحاء العالم.

يمكنك ايضا قراءة :

مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الإقتصادية: بين الحلم والواقع